قصص

يونس إسماعيل: من ألم الحرب الى أجنحة التعليم والأمل

حدث نيوز: فاطمة البحيري

بين ركام الحرب وأهوال الصراع تنبعث قصص انسانية تجسد مزيج الألم والأمل، لأناس فقدوا حياة هانئة كانت مليئة بالاستقرار والفرح ليجدوا أنفسهم محاصرين بالمعاناه، مكبلين بالألم، غير أنهم يؤمنون أن من وسط الأنقاض تنبت الزهرة، ومن بين المعاناة ينبثق الأمل بروح الحياة وعزيمة الشجعان الذين لا تقهرهم الظروف .

يونس إسماعيل، الشاب اليمني المشبع بشموخ الجبال وكبرياء الغيوم التي تعانق جبل صبر حيث مولده ونشاته، كبر ليحلم بعيش كريم وبمستقبل أجمل ، غير أن الحرب أخذت منه أغلى ما يملك.

ولد يونس في عام 2005م في مديرية صبر الموادم التابعة لمحافظة تعز اليمنية ، والتحق في المدرسة في سن مبكر مجتهدا ومثابرا من اجل الوصول الى حلمه وطموحه كغيره من ابناء جيله ، تحدى الظروف ولم تهزمه الحرب ، بل هزمته قذيفة حوثية جعلته فاقد الحيلة يصارع من أجل البقاء.

الحادث المأساوي

في صباح يوم الثاني من يونيو 2017م وبينما كان يونس في الصف السابع حينها، يساعد أهله وجيرانه بتعبئة الماء في المنطقة ، سقطت قذيفة هاون بالقرب من منزله، أطلقتها جماعة الحوثي من مناطق سيطرتهم ، خلفت دمارا كبيرا أصيب على إثره يونس إصابات بليغة في مختلف أنحاء جسده، جعلته يفقد قدمية بعد بتر أطرافها السفلية، وذراعة الأيسر ، وإحدى عينية، وأخذت منه روح خاله الذي كان بالقرب منه اثناء سقوط القذيفة.

أُسعف يونس على الفور إلى مستشفى الثورة وسط مدينة تعز التي كانت تعاني حينها من وضع صحي صعب للغاية ، ووضع يونس يستدعي تدخلا جراحيا عاجلاء يفوق إمكانية المشفى الذي اكتفى بوضع ما يمكن وضعه من ايقاف للدم وتضميد للجروح، لتبدأ رحلة يونس بين مستشفيات المدينة حتى انتهى به الأمر الى السفر الى السعودية بعد عشرة أشهر من المعاناة.

استمرت رحلة علاجه في بداية عام 2018، في المملكة العربية السعودية واستمرت لثلاث سنوات، خضع خلالها لعمليات جراحية وعلاج تأهيلي مكثف.

ميلاد جديد

عاد يونس الى اليمن في عام 2021م بعد انتهاء فترة العلاج ليواجه تحدياً جديداً، يتمثل في بناء حياته من جديد، وتكملة تعليمة، فلم يكن الأمر سهلاً، خاصة أنه فقد الكثير من قدراته الجسدية، لكنه لم يسمح لليأس بالتسلل إلى قلبه.

قرر يونس أن يستكمل تعليمه الذي توقف بسبب الحادث، وأصر على العودة إلى مقاعد الدراسة، والتحق بمدرسة ثانوية في منطقته مستخدماً الاسكوتر وسيلة نقل للمدرسة رغم صعوبة التنقل، كان يونس مصمماً على تحقيق هدفه.

يقول أحد معلميه: “كان يونس طالباً مميزاً بعزيمته، ورغم إعاقته، يأتي إلى المدرسة يومياً ويشارك في الأنشطة، متحدياً كل الظروف”.

اجتاز يونس المرحلة الثانوية،ولم ييأس أو يتنازل عن مواصلة تعليمة، فقد قرر أن يبدأ دراسته الجامعية قسم تقنية المعلومات (IT) في جامعة الجند ليبدأ مشواراً جديداً، بشعور ممزوج بين الفخر بتحقيق هذا الإنجاز والقلق من التحديات القادمة، وأبرزها عدم وجود وسيلة نقل دائمة تساعده على الانتظام في دراسته الجامعية.

إصرار لا يلين

في حديثه عن طموحه، يقول يونس: “التحاقي بالجامعة كان حلماً و أصبح حقيقة، شعرت بالفخر بدخولي هذا المجال، رغم أن التحديات لا تزال قائمة في عدم توفر وسيلة نقل ثابتة، ، لكن ذلك لن يمنعني من مواصلة طريقي. التعثر جزء من الحياة، لكن الإصرار هو مفتاح النجاح”.

لم يكن يونس يحارب من أجل التعليم فقط ، بل كان يحارب أيضاً من أجل إثبات ذاته أمام مجتمع كثيراً ما ينظر إلى ذوي الإعاقة بنظرة عطف أو شفقة ومع كل يوم يمر، كان يونس يؤكد أن الإعاقة الحقيقية ليست في الجسد، بل في الروح التي تستسلم لليأس والفشل.

رسالة أمل وصمود

رغم كل ما مر به من صعوبات، يرى يونس أن الحياة لا تزال مليئة بالفرص التي يمكن إغتنامها ويوجه رسالة لكل من يمر بظروف صعبة، قائلاً: “الحياة مليئة بالعقبات، لكنها أيضاً مليئة بالفرص، تقدير الذات وتحفيزها هما الأساس لتحقيق الأحلام، وعلى كل شخص أن يكون الداعم الأول لنفسه، وأن يحيطها بأشخاص إيجابيين يدفعونه للأمام”.

لم تكن قصة يونس إسماعيل مجرد حكاية شاب فقد أطرافه في الحرب، بل قصة إنسانية مرصعة بالصمود والإرادة والاستمرار والوصول لتحقيق الأهداف والغايات، التي جعلت منه رمزاً للشباب الذين يرفضون الاستسلام لليأس، ويؤمنون بأن لكل إنسان فرصة لبناء مستقبله مهما كانت الظروف .

من بين أوجاع الحرب ومعاناة الإعاقة، يقف يونس اليوم كقصة نجاح ملهمة، تحمل في طياتها دروساً عن الأمل والتحدي، وتؤكد أن الإرادة الصلبة يمكنها أن تتغلب على أصعب الظروف.

 

مقالات ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي الزائر نحن نستخدم الإعلانات كعائد مادي للاستمرار لأنه ليس لدينا أي دعم سوى الإعلانات