مقالات

في هشاشة الوجود تكمن مقاومته

حدث نيوز : صهيب المياحي

ما الحياة سوى معركة دائمة بين الهشاشة والقوة ؟ في أعماق كل لحظة انكسار، في كل شعور باليأس، يكمن سر عجيب: الهشاشة ليست عجزًا، بل هي طاقة في حالة انتظار. كالعنكبوت الذي ينسج خيوطه في العتمة، خيوط تبدو رقيقة لدرجة التلاشي، لكنها تحمل قدرة خارقة على التحدي والصمود أمام الرياح. هكذا هو الإنسان، يُولد ضعيفًا لكنه محاط بإمكانية التحول إلى قوة.

لطالما تساءلت عن سر ذلك التناقض: كيف أن أضعف اللحظات قادرة على كشف أعظم الحقائق؟ حين كنت غارقًا في عمق العدم، في ذلك الصمت الذي يُبطل كل يقين، وجدت خيط فكرة. فكرة واهنة، بالكاد تُرى، لكنها نابضة بإمكان الخلاص. صنعت من تلك الفكرة جسرًا عبوريًا، هشًا في البداية لكنه اشتد صلابة مع كل خطوة. كل انكسار على ذلك الجسر كان يقوي روحي، وكل عثرة كانت درسًا يعيد تعريف وجودي.

الوجودية علمتنا أن الحياة عبثية، لكن العبث ذاته يحمل معنى أعمق. ففي الألم تجد الوعي، وفي الظلام تُصنع النور. نحن لسنا ضحايا للظروف، بل صناع لوجودنا، حتى لو كان من خيوط تبدو بلا قيمة. الفيلسوف لا يهرب من العبث، بل يتأمله، يغوص فيه، ويخرج منه بمعنى يخصه وحده.

إلى الشباب، الذين تتقاذفهم أمواج الشك واليأس: تذكروا أن في هشاشتكم تكمن مقاومتكم. العالم قاسٍ، ولن يمنحكم شيئًا بسهولة، لكنه أيضًا مساحة لصنع معجزة من لا شيء. الحياة ليست مجرد صراع للبقاء، بل تحدٍ مستمر لتحويل الضعف إلى قوة، والهشاشة إلى مقاومة.

حين تجد نفسك على حافة السقوط، تذكر أن السقوط بحد ذاته ليس النهاية، بل بداية لصعود آخر. في كل انكسار فرصة، وفي كل لحظة عتمة خيط نور. ليس المطلوب أن تكون قويًا دائمًا، بل أن تكون مؤمنًا بأن الهشاشة التي تشعر بها الآن قد تكون مفتاح خلاصك.

الحياة عبثية، لكنها تستحق أن تُعاش. ليس لأنها كاملة، بل لأنها تمنحنا الفرصة لنُعيد تشكيل أنفسنا مع كل انكسار. اصنع من الألم فلسفة، ومن الفوضى نظامًا، ومن خيط العنكبوت جناحين.

 

مقالات ذات صلة:

اقرا ايضا:
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى