تقارير

اكتئاب ما بعد الولادة…ما لم تكشف عنه التحاليل!

حدث نيوز : ريم كمال

بينما يشعرن أغلب الأمهات بفرحة عارمة بعد ولادة طفلها الأول، إلا أن الأسابيع الأولى للولادة كانت الأصعب لتقية التي تجرعت اكتئاب ما بعد الولادة دون ادراكها لما تمر به هي وعائلتها.

تقية (24 عامًا) وضعت طفلها البكر، وعلى عكس كل الأمهات لم تكن سعيدة بذلك، بل شعرت بالذنب لأنها أنجبت طفل وجاء بروح بريئة إلى هذه الحياة، لم تكن قادرة على الاهتمام بطفلها، وتنزعج من إرضاعه، ويتملكها اليأس والإحباط والعجز غير قادرة بالقيام بدور الأمومة.

يوم بعد أخر، بدأت تقية (اسم مستعار) أكثر تعبًا، لعدم تناولها الأكل وفقدانها الشهية، وتنام لفترات طويلة ومتقطعة، فيما أغلب الليالي لا تنام، وتصاب بنوبة بكاء متكررة، ووصل بها الحال إلى التفكير بقتل نفسها، حتى تنجو من وسواس عدم القدرة على النجاح كأم.

استغربت عائلتها من تصرفاتها، وأصبح زوجها قلقًا للغاية، وشعر بأن ثمة شيء يحدث لتقية، وبدأ النقاش والتساؤلات حولها وعن وضع طفلها.

ليقترح زوجها ضرورة الذهاب إلى طبيب وإجراء فحوصات طبية، وحينها لم تكشف التحاليل سواء عن نقص بسيط بالدم، نتيجة عدم تناولها الأكل بسبب فقدان الشهية، ليتم إعطاءها أدوية فتح الشهية، إلا أن الوضع كما هو.

بعد أن تدهورت صحة الطفل بسبب الإهمال، قام الزوج بإسعافه إلى المستشفى وأخبر الطبيب برفض الأم ارضاعه وعن وضع وتصرفات الأم بعد الولادة، حينها عرف الطبيب بأن هذه أعراض اكتئاب ما بعد الولادة، وأن تقية بحاجة ماسة لزيارة طبيبة نفسية.

لتذهب تقية وزوجها إلى طبيبة نفسية، والتي بدورها وصفت لتقية مضادات الاكتئاب، وعقد جلسات دعم نفسي لها، لتتحسن بعد فترة، وتتفاعل مع طفلها وتقوم بإرضاعه. وبالتدريج عادت تقية كما كانت وبدأت أكثر اهتمامًا بنفسها وطفلها.

تجربة أليمة

يصف زوج تقية، ما مرت به زوجته، باكتئاب ما بعد الولادة، بأنها تجربة مرهقة جدًا للطفل والزوج والزوجة، وللعائلة بأكملها، بان يعيشوا حالة قلق واضطراب، من التصرفات الغريبة. مشيرًا إلى عدم وعيهم بهذا المرض وأعراضه ومخاطره.

 

فيما تصف تقية ما مرت به بالقول: “أبشع ما مررت به هو الأفكار التي كانت تدور في راسي، هو أني لا أريد أن أعيش، ولا لهذا الطفل أن يعيش، كلانا لا يستحق الحياة، وكانت فكرة وضع مخدة (وسادة) على وجهه وخنقه حتى الموت ورمي نفسي من بلكونة (شرفة) شقتي، حاضرة بقوة في مخيلتي”.

الأعراض

واكتئاب ما بعد الولادة هو نوع من الاكتئاب يتسم بالحزن والقلق الشديد وعادة ما يحدث خلال أسبوعين إلى ثمانية أسابيع بعد الولادة وقد يصل إلى سنة ما بعد ولادة الطفل، بحسب الأخصائية النفسية سالي الشميري.

وذكرت الشميري أهم أعراضه قائلة: “الاكتئاب تجربة منهكة عاطفيًا تجعل الأم غير قادرة على التمتع بوجود الطفل الجديد والاستمتاع بحياتها، ويظهر عليها علامات التعب ونقص الطاقة، ويرافق الأم الشعور بالحزن وفقدان الثقة بالنفس وعدم قدرتها على تحمل مسؤولية الأمومة والخوف الشديد من تلك المسؤولية، ويظهر جليًا ضعف التركيز وتشتت الانتباه واضطرابات النوم والشهية”.

وتوضح الشميري بأن هذه التجربة تجعل الأم بحاجة ماسة للدعم النفسي الفردي والجماعي، وكأجراء سريع يمكن وصف الطبيب للأم مضادات اكتئاب لتتحسن حالتها سريعًا، ويجب هنا مراقبة الطفل وما إذا كان هناك آثار جانبية للأدوية تبدو على عليه، فقد يتأثر الطفل بسبب الرضاعة من الأم وهي حالات نادرة جدًا حدوثها.

إحصائيات

وبحسب منظمة الصحة العالمية تعاني نحو 10 % من النساء حول العالم من الاكتئاب أثناء فترة الحمل، لتصل النسبة إلى 13بالمائة بعد الولادة، وفي الدول النامية ترتفع النسب إلى 16 بالمائة خلال فترة الحمل وتصل إلى 20 بالمائة بعد الولادة.

الوقاية منه

الدكتورة لميس العريفي طبيبة متخصصة بأمراض النساء والولادة، تقول بأن طرق الوقاية من اكتئاب ما بعد الولادة يتمثل بالعلاج النفسي، ويكون من خلال جلسات نفسية مع الأم أو من خلال تناول أدوية لمكافحة الاكتئاب. كما أن مخلاطة نساء مروا بنفس التجربة والاستفادة من تجاربهن مفيد جدًا لمثل هذه الحالات.

كما شددت الدكتورة على أهمية الراحة والاسترخاء للأم، ونصحت بتحديد وقت كافي للنوم أثناء الحمل وبعد الولادة وتناول غذاء صحي.

وأكدت الدكتورة العريفي على أهمية وضرورة التوعية بمرض اكتئاب ما بعد الولادة، ونشر ثقافة حصول الأم على الدعم النفسي خلال فترة الحمل أو بعدها.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مخرجات برنامج التغطية الإعلامية الجيدة لقضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى