مقالات

ملك وأمير ومستشار.. السعودية بين اليوم وصناعة الغد

بقلم:عبدالسلام الحاج

المتابع لتحرك المملكة في مختلف الاتجاهات سيدرك قدرتها المهولة على الموازنة بين متطلبات المرحلة المتعددة، فهي لا تتحرك في جانب على حساب آخر بل تسير بالتوازي على كل الخطوط التي رسمتها لنفسها كبلد قائد ومحوري.

ففي السياسة تتصدر المملكة المشهد بوضوح (قضية فلسطين نموذجا) حتى أصبحت اليوم هي صاحبة القرار العربي بلا منازع والكل مجمع على ذلك ثقة واحتراما وإيمانا بقدرة المملكة على حمل هذا العبء والتحرك به في المحافل الدولية للخروج بحلول جذرية لا ترقيعية تنهي معاناة الفلسطينين وتضع حدا لصراع العرب والمسلمين مع الإسرائليين. وخارطة السلام العربية التي يصطف خلفها مناصرو القضية الفلسطينية لمن لا يعرف، ذلك هي مبادرة سعودية.

ومن خلال التصريحات المتتابعة للسلطات السعودية سيدرك المتابع مدى حرصها على إنهاء العدوان على غزة كترجمة فعلية لتحركها ومعها ومن خلفها العرب وكل مناصري حقوق الإنسان في العالم، وليس آخرها تصريح وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان (لا يمكن السماح باستمرار انتهاك القانون الدولي في غزة، وحل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية هو مسار السلام).

وهو جواب شافٍ لمن يغمز ويلمز جدية المملكة والتقليل من حركتها في وقف انتهاكات الاحتلال. علما أن فتحت السعودية حسابات خاصة لدعم غزة وبادر الشعب السعودي المعطاء لدعم صمود إخوانه هناك، وبلغ عدد المتبرعين في منصة ساهم وحدها 1،733،215 متبرعت بإجمالي 628،411،019 ريالا، هذا في المنصة فقط دون غيرها مما أُعلن عنه وما لم يُعلن من كريم عطاء القيادة في المملكة للشعب الفلسطيني ومدد حماة الحرمين للقبلة الأولى.

السودان

وللسعودية حكاية طويلة مع السودان دعما لاستقرارها عبر الحكومات المتعاقبة وعملت السعودية بعد المتغيرات الأخيرة في السودان داخل الأروقة الدولية من خلال أدوار دبلوماسية وقيادية على رفع السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب وإعادة السودان للنظام المالي العالمي وأعفت السودان من مديونية قدرها 4.5 مليار دولار.

وخلال مستجدات الأوضاع استضافت السعودية طرفي الصراع في محادثات جدة وقدمت ولاتزال دعما لا محدودا للمتضررين عبر مركز الملك سلمان للإغاثة في عدة مدن سودانية واحتضنت السعودية الآلاف من السودانيين عبر زيارات اضطرارية حتى تتهيأ ظروف عودتهم، بالإضافة إلى ما يقرب من مليون سوداني لديهم إقامات عمل في السعودية.

سوريا

في الشأن السوري لم تقف السعودية على الحياد وقدمت بثقلها دعما متواصلا للشعب السوري سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الإغاثي والإنساني واحتضنت ما يزيد عن 2 مليون سوري وقدمت لهم تسهيلات كبيرة في التعليم والصحة وزيارات المقيمين الراغبين في لم شملهم بأسرهم، كل ذلك وأكثر مما دار في أروقة المجتمع الدولي لرأب الصدع السوري وعودة الأمور إلى قريب من مسارها الطبيعي والأهم وقف الاحتراب الداخلي ونزيف الدم السوري.

السعودية واليمن

أما السعودية واليمن فحدث ولا حرج، من دعم بلا حدود ووحدة مصير تلاشت معها الحدود، فبين الشعبين نسب وصهر قبل العلاقات الدبلوماسية والرسمية، فلا يشعر السعودي إلا أنه يمني ولا يشعر اليمني إلا أنه سعودي.. عبادات وعادات وأعراف وأسلاف وقيم وشيم تكاد تكون مشتركة بل متطابقة.

لقد اختلط الهم والدم ولولا السعودية، وكل العقلاء يدركون ذلك، لكانت البلاد في وضع لا يمكن تخيله، ولكن وجود السعودية خفف المعاناة وحَجَمَ الفوضى ومنع الكارثة وحال دون انزلاق الشعب إلى حرب أهلية يصعب حصر ضحاياها ونتائجها. علاوة على أن المملكة حافظت على وجود سلطة شرعية ولافتة للدولة.

وحتى في مناطق خارج نطاق الشرعية التي عجزت المليشيات أن تحكمها وإن كانت تتحكم بقوة السلاح في بعض مفاصلها ولكن السعودية بما تمثله من عمق استراتيجي لليمن حملت على عاتقها دورا تنوء به الجبال من حماية الشرعية ودعم الشعب اليمني وموازناته واقتصاده من الانهيار وضخت مليارات كرافعة للريال اليمني ودعما له.

إلى ذلك فتحت السعودية مؤسساتها لمساندة اليمنيين بجوانب متعددة وسخرت إمكاناتها لكل ما من شأنه انهاء الفوضى ومنحت مئات الآلاف من تأشيرات الزيارات الاضطرارية للمتضررين من الحرب واستثنت اليمنيين في موضوع الزيارات العائلية ومعهم السوريين الذين شملهم عطاء المملكة ووصلت إليهم هباتها السخية.

وسبق وأن صححت المملكة وضع نصف مليون يمني من الذين لم تكن إقاماتهم نظامية لتثبت أن الحال واحد وأن الظرف استثنائي يلغي ما سواه من الاعتبارات القانونية واللوائحية، وتحتضن السعودية بالإضافة إلى كل هذا مئات الآلاف من المقيمين اليمنيين يعيشون بكرامة ويتنقلون بحرية تامة وفق نظام مكتب العمل ومندمجون مع إخوانهم السعوديين ومقدَمون على سواهم لاعتبارات كثيرة.

فرص متكافئة

قد يغيب اليوم عن البعض أن المستثمرين هم كفلاء أنفسهم ويكفلون ذويهم وموظفيهم وهذا حافز إضافي للمستثمرين وحتى فيما يتعلق بالمناقصات التي تعلنها الدولة لمشاريعها فهي مناقصات إلكترونية لديها معايير لا تفرق بين شركة سعودية أو أجنبية وهذا يشير بأن التنافس صُنع بخلفية عادلة تساهم في استقطاب رأس المال الأجنبي بخلاف بعض البلدان التي تضع عراقيل أمام المستثمرين وعجزت عن خلق تنافسية عادلة في جميع الأصعدة ناهيك عن تأسيس أرضية صلبة لمواطنة متساوية.

صناعة السعادة

السعودية وهي في قمة انشغالاتها بالجد تعمل على الفصل بين إدارة معركة السياسة وميدان التنفيس على شعبها من خلال منظومة ترفيهية متكاملة تمثلت في هيئة الترفيه وأفرزت القيادة في المملكة بطلا مغامرا حيويا لقيادتها يمتلك مؤهلات كثيرة جعلته ينجح في مهمته ولا يجنح للتحديات التي اعترضت طريقه داخلية كانت أو خارجية.

لقد كان ولايزال المستشار تركي آل الشيخ وجها آخر للسعودية الحديثة وصانع وجهها الباسم في محيط عربي وعالمي مثقل بالعبوس بسبب سياسات فاشلة لتلك الدول التي تمتلك الموارد وتفتقر إلى الإرادة والإدارة لصنع ابتسامة على شفاه شعوبها.

يسير المستشار الباسم وفق رؤية وضعها مهندس السعودية الجديدة سمو الأمير الشاب محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود والذي يأتي المستشار تركي آل الشيخ وغيره من القيادات حديثة التعيين كترجمان على عقليته الفذة وقدرته في اختيار قادة التحديث.

وهنا تجدر الإسارة إلى أن الترفيه في المملكة ضرورة لا ترف كما يراه البعض، فهو مرتبط باحتياج كان يُصرف لأجله مليارات من مدخول المواطنين السعوديين يتم انفاقها في الخارج لغرض التسلية والترفيه بعد ضغوط العمل والدراسة، ولكن بعد التحديثات الجديدة التي يقودها صانع الرؤية ويديرها فريق احترافي وعلى رأسهم المستشار تركي آل الشيخ.

وأكيد بالتزامن مع تحديثات تقودها وزارة السياحة وتتواكب معها كانت مخرجات هذا التناغم مدهشة من خلال الأرقام والإحصائيات لملايين السياح من الداخل والخارج للسعودية وانعكست الهجرة من هجرة نحو الخارج إلى هجرة داخلية ومن الخارج للداخل، ففي إحصائية لوزارة السياحة تضعنا أمام عظمة هذا الإنجاز الذي حدث ولازال، 109 مليون سائح محلي ووافد أنفقوا 41.5 مليار ريال خلال السنوات الخمس الأخيرة، كانت هذه وأضعافها تذهب خارج السعودية.

وفي السياق، هنالك أرباح لا تدخل في الحسابات سالفة الذكر من إبراز التراث والارتقاء بالذائقة المحلية فنيا وسياحيا واكتشاف وإبراز مواهب محلية متنوعة واستقطاب خبرات خارجية للنمذجة وأرضية لإنتاج فني واسع في عموم الجغرافيا السعودية.

مونديال 2034

ومن الترفيه والسياحة إلى الرياضة حيث والسعودية تعيش فرحة تتويجها باستضافة كأس العالم 2034 تقاطعها فرحة تنظيمها لأول كأس عالم في الرياضة الإلكترونية وتقام لأول مرة في السعودية. وقبل ذلك استقطاب نجوم رياضية عالمية عززت من حضور السعودية في المحافل الدولية الرياضية.

السعودية الجادة تكاد تكون كل حاراتها تلعب وجيلها رياضي بامتياز ومع الرياضة وأندية الحارات تختفي كثير من مشاكل الشباب التي يدخلهم فيها الفراغ وصفرية المهارات. ومن أندية الحارات إلى استادات عملاقة تتسع لعشرات الآلاف استعدادا لحدث العالم الأبرز في2034، وتعبت موسوعة غينيس للأرقام وهي تحصي الإنجازات الأكبر عالميا داخل السعودية في كافة المستويات.

الشباب في سوق العمل

في السعودية ستواجهك لوحات إعلانية في المولات والمحال التجارية بطلبات التوظيف للشباب السعودي مسنودة بمراكز تهيئة وإعداد الشباب لسوق العمل وكذلك مرافقتهم أثناء التوظيف بالاستشارات والتأهيل فتجد الشباب السعودي الذي يُرَوَجُ عنه أنه مشغول بالمال عن الأعمال، منضبط فاعل منجز بذوق عالٍ لا يتوقف عن تطوير مهاراته وبناء قدراته وصارت السعودية خلية نحل بورش العمل والمؤتمرات التخصصية وهاكثونات الإبداع التي تتيح لهم التألق في مجال التقنية وعلوم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

وعليه، لا يوجد في السعودية مؤهل عاطل عن العمل إلا من أراد، بل صارت الفرص تتجاذبهم وخصوصا ذوي الكفاءات العالية منهم في ظل استقطابات للمبدعين غير عادية، ولذلك ذابت الوساطات والمحسوبيات، وتعجبت جدا حين شاهدت في أحد الملتقيات التي تضم كوكبة من الكفاءات الشابة السعودية وزير الطاقة السعودي سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان يعطي درسا بليغا في نجاح الأعمال التي تقوم على المؤسسية ولا تراهن على النجاح ببقاء الأشخاص من عدمه.

وكان ذلك في رده على سؤال شابة مبدعة تخطت كثيرا من الحواجز لتعمل على بناء قدراتها فقالت له لقد حفزتني في لقاء سابق ولذلك وصلت إلى ما أنا عليه اليوم فهل تتبناني لأواصل!؟ فكانت إجابته مدهشة وتشير إلى العقليات الفذة التي تدير البلد (يا بنتي عندي فخر وثقة بأن هنالك منظومة ومؤسسات هي التي تتبناك أفضل مني).

وهذا أس النجاح في حماية حق من لم يصل إليه ولم يستطع مقابلته وأن البلد يدار بمؤسسية لا عواطف وأن الفرص في متناول الجميع وأن صاحب الكفاءة لن يحتاج أن يقضي عمره بحثا عن فرصة كما هو الحال في دول كثيرة ليس منها السعودية.

ورشة عمل كبرى

السعودية اليوم ورشة عمل لا تتوقف ليل نهار.. أضحكتني عبارة لبعض خصوم المملكة وهو يعلق على مشروع تطوير السعودية حين رأى الهَد في الأحياء القديمة بغرض تحديثها فيقول (يخربون بيوتهم بأيديهم) ونسى هذا المغفل أن هذا الخراب لا يشبه خرابهم لأوطاننا الذي يُلحق الضرر بالناس، هذا خراب لأجل البناء، إزالة الأحياء لإعادة الحياة لها وفيها.. تعال بعد كم سنة لترى ببصرك ما عجزت عن رؤيته بصيرتك! لترى سعودية أخرى جديدة وحديثة.

بين فائض السعودية وفوضى غيرها

بين فائض السعودية وفوضى غيرها ممن لا يمتلكون رؤية لإدارة مواردهم فأوردوا شعوبهم في أتون الفقر والصراعات.. لك أن تتخيل أن فائض الربع الثاني من هذا العام 98.368 مليار ريال بزيادة ملحوظة بفارق 13.2٪ مقارنة بالربع الأول من نفس العام.

السعودية اليوم تزدحم بهجرة الشركات العالمية إليها وهي تعمل باستمرار على سن قوانين جاذبة للاستثمار وتهيئة مناخ محفز على توجه رأس المال العالمي إليها، وقبل إطلاق برنامج الاستقطاب للشركات الكبرى لم يكن في السعودية سوى 17 مقرا إقليميا بينما تضاعف هذا الرقم  إلى ما يقرب من 500 مقر إقليمي في ظرف ثلاث سنوات.

والسر وراء ذلك هو إعلان ذكي من السلطات السعودية بعدم إبرام العقود مع الحكومة إلا لمن يمتلك مقرا إقليميا وهو ما أسهم في هجرة كبريات الشركات العالمية إليها لأنهم يعرفون معنى السعودية وأسواقها وقوتها الشرائية.

السعودية هي الدولة العربية الوحيدة في مجموعة العشرين التي تضم الدول الكبرى والمؤثرة وذلك لما للمملكة من تأثير اقتصادي بالإضافة إلى تأثيراتها الجيوسياسية والأمنية  والتنموية فهي رقم صعب في المعادلة الإقليمية والدولية.

وأخيرا سعودة العقول

ثمة مسار جديد انتهجته السعودية الحديثة للاستفادة من العقول الذكية غير السعودية،
يرتكز على منح السعودية جنسيتها للمتميزين وفق معايير محددة يتصدرها ذوو الكفاءات والتخصصات النادرة ضمن مجالات كثيرة من بينها الطب والصيدلة والتقنية والطاقة النووية والمتجددة والذكاء الاصطناعي وهندسة البرمجيات والحواسيب عالية الأداء والبيئة والجيولوجيا وتقنية النانو وعلوم الفضاء والطيران كما تتضمن المعايير أن يكون العدد محدوداً.

وفي هذا الإطار منحت السعودية جنسيتها لأول دفعة من المتميزين في نوفمبر عام 2021 ولازالت مستمرة في هذا وستواصل ذلك تجديدا للعقل السعودي الحيوي ورفدا له للنهوض بالسعودية الحديثة.

وختاما فإن السعودية إجمالا هي قبلة دينية لملياري مسلم ودنيوية لملايين من سكان العالم.. الغد السعودي سيكون مختلفاً ومبهراً ويصعب تخيله في ظل قيادة تحلُم وتحقق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى