مقالات

المعضلة اليمنية وأركانها التاريخية

حدث نيوز : مجاهد القريضي

إن بلادنا اليمن تدور في فلك المشاكل الأربع التالية التي يمكن أن نطلق عليها “المعضلة اليمنية”، والتي تحول بين اليمنيين وحلمهم بتحقيق حياة سعيدة في ظل دولة قوية مستقرة. ونعرض هذه المعضلة بأركانها ومشاكلها الأربعة بغرض المساهمة في تسليط الضوء عليها وتفسيرها من أجل توجيه التفكير نحو إبداع الحلول والرؤى المستقبلية لليمن.

• أولاً: مشكلة الحفاظ على الوحدة والتنوع معًا، وعدم استغلال هذا التنوع وتسخيره في أحداث نهضة يمنية.إن التنوع في اليمن متواجد في مجالات عدة :

تنوع جغرافي: يشمل صحاري، جبال، هضاب، بحار، جزر، وسهول. هذا من حيث التضاريس.

أما من حيث التنوع المناخ: فالسواحل حارة، والجبال معتدلة وممطرة صيفًا، والصحاري جافة وحارة.

اضافة إلى ذلك التنوع الأيديولوجي: دينياً يشمل سنة (إصلاح، سلفية، صوفية) والزيدية (حوثية، هاشمية)، بالإضافة إلى الاشتراكية والقومية العربية واليمنية.

كما أن هناك التنوعً الثقافي : حيث تحتوي على تعدد في اللهجات والعادات والتقاليد الاجتماعية المختلفة.

•ثانياً : عدم استغلال الموقع الاستراتيجي على خطوط التجارة العالمية، حيث إن أغلب مشاكلنا أتت بسببه.

• ثالثاً : مشكلة الاستعانة بقوة خارجية لمواجهة قوة أخرى

هذه المشكلة ليست جديدة، بل بدأت بدأت منذ عهد سيف بن ذي يزن الذي استعان بالفرس للقضاء على الأحباش في نهاية العصور القديمة. وتكررت هذه الظاهرة عبر العصور الإسلامية (الوسطى) والحديثة والمعاصرة. إن الضعف الداخلي والتشتت، وسوء إدارة التنوع، والحفاظ على الوحدة، بالإضافة إلى عدم التبادل السلمي للسلطة، يؤدي إلى الفوضى مما يستدعي الاستقواء بالخارج.

• رابعاً : غياب طريقة سلمية لتداول السلطة

لم يجد اليمنيون طريقة سلمية لتداول السلطة، وتحويل الصراع حولها إلى تنافس سلمي. لم يفكروا مثلما فعل الإغريق والأوروبيون في تبني فكرة الديمقراطية والتعددية السياسية.

ترجع أسباب هذه المشكلة إلى :
عدم وجود اهتمام بالفكر السياسي، وانعدام الثقافة السياسية والوعي لدى المجتمع اليمني، وهذا بسبب الاستبداد السياسي الذي يعمل على سياسة التجاهل المتعمد في الجوانب السياسية.

كما أنه لم تتم الاستفادة المثلى من تجارب الآخرين، حيث تم فهم التجارب بعقلية غير ناضجة لم تمر بمراحل وأطوار تجعلها قابلة للتطبيق، أدى ذلك إلى فهم الحزبية بمفهوم مشابه للعصبية القبلية الجاهلية، مما يشير إلى انعدام الوعي الضروري للممارسة الديمقراطية.

انعدام التركيز على عدم أهمية حقوق الإنسان و كرامته الوجودية لدى الأغلبية عنصراً إضافياً في العمق الذي تعاني منه هذه الدولة

المعضلة اليمنية عبر العصور وأركانها الأربعة :

• العصر القديم

لنعود إلى المشكلة الأولى، فنلاحظ أن اليمن، منذ ظهورها على مسرح التاريخ كدول وتجمعات بشرية، لم تكن دولة واحدة، بل دويلات عدة في آن واحد. في التاريخ القديم، وما قبل الميلاد، وقبل الإسلام، كانت هناك على أرض اليمن عدة ممالك: مملكة سبأ في مأرب، ومملكة معين في الجوف وأجزاء من السعودية حاليًا، ومملكة قتبان في شبوة، ومملكة أوسان في الزاوية الجنوبية الغربية، ومملكة حضرموت في حضرموت حاليًا. أي لم تكن هناك وحدة سياسية، بل كل دولة تحكم منطقتها، وإذا قوت إحدى هذه الدول، سعت للسيطرة على جميع الدول اليمنية المحيطة بها، مثل ما قام به المكرب السبئي بشن حملات حربية للسيطرة على اليمن، واستطاع تحقيق ذلك، فتوحّدت تحت حكمه بالقوة.

هذا الأمر كان مكلفًا له ومتعبًا، وما لبثت أن ضاعت هذه الوحدة بضعف قوة المكرب. وعادت اليمن إلى حالها الأول، فكل منطقة لها مملكة تحكمها، مع تغيّر بعض الأسماء.يتضح أن المكرب السبئي قد حاول تحقيق الوحدة عن طريق القوة العسكرية قسراً، وقد حققها، لكنها لم تلبث وقتًا طويلاً.

ليأتي بعده فترة الحميريين في المناطق الوسطى، مثل ذمار وما جاورها تحديدًا، ليبتكروا طريقة جديدة لتحقيق الوحدة بغير القوة، واستطاعوا ذلك، حيث كانت طريقة وحدتهم أشبه بالفيدرالية أو اتحاد الأقاليم، وهذا ما ظهر في لقب التبع اليماني في النقوش القديمة “أسعد يهأمن”. حيث كان اللقب كالتالي : ” أسعد يهأمان وابنه حسان، ملكي سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت، وأعرابهم في الطود والتهائم.”

يتضح من اللقب السياسي أن الوحدة تحققت، ولكن ليست اندماجية بل اتحادية أو فدرالية، مثلت ستة أقاليم:
1. سبأ
2. ذي ريدان
3. حضرموت
4. يمنت
5. الطود (الجبال)
6. التهائم (السواحل)

لقد كانت اليمن حينها في هذه الفترة تحقق أزهى عصورها القديمة، مما يعني أنها قد حلت مشكلة الوحدة السياسية عبر اتحاد فدرالي.لكن ظلت مشكلة السلطة وتداولها تسبب تدهور الأمور والأوضاع، وتضييع مثل هذه المكاسب التي تم تحقيقها، وهي الوحدة الفيدرالية.

كان الصراع على السلطة يؤدي إلى تدهور الأوضاع، وانفصال واستقلال كل إقليم بحيث يحكم ذاته. ويبدو أن رغبة أحد الأقاليم في تحقيق الوحدة تؤدي إلى تجدد الصراع إذا تم استخدام الطريقة التعسفية والوحدة الاندماجية، وبالتالي أصبح الوضع متدهورًا وتضعف كل القوى، مما جعل الدول الخارجية تتدخل في شؤون اليمن الداخلية لتضمن مصالحها على خطوط التجارة العالمية، وهذه هي مشكلة الموقع. من عمق مشكلة الموقع ظهرت مشكلة “اليزنية” (نسبة الى سيف بن ذي يزن)أي استدعاء قوة خارجية إما لإخراج قوة خارجية أخرى أو لتثبيت الأمن والاستقرار داخليًا، وتظل شيئًا من الوقت.

ما أن تلبث حتى تتحكم بشؤون اليمن بأكملها وتتحول إلى استعمار.الاستعمار الفارسي لليمن قبل الإسلام خير دليل على ذلك، حيث استدعاه سيف بن ذي يزن ليخرج الأحباش، وما لبث أن تحول من منقذ إلى استعمار أيضًا.

• العصر الإسلامي

في العصر الإسلامي لم تكن هناك وحدة سياسية إلا فترات قصيرة جدًا ومحدودة. فقد كانت اليمن في العصر الإسلامي لها دول عدة في آن واحد، فكانت الدولة الزيادية في تهامة، والدولة اليعفُرية في الجنوب الغربي، وقبائل كندة في حضرموت، والهادوية في صعدة، ثم الصليحية الإسماعيلية في جبلة، والنجاحية في تهامة. كذلك كانت دولة الإمام الناصر في صنعاء وصعدة، واستمر الوضع حتى أتيت الدولة الأيوبية (من مصر) ثم الرسولية، التي وحدت اليمن في فترة من الفترات، وحلت مشكلة الوحدة، واستغلت الموقع، وحلت مشكلته.

ولكن لم تحل مشكلة التداول السلمي للسلطة، حيث كان الصراع على السلطة هو الذي أدى إلى تدهور الأوضاع السياسية وانتهاء الدولة الرسولية، وانقسام اليمن إلى دويلات صغيرة متصارعة بينها، وضاعت المكاسب مجددًا.وأصبحت الدول الخارجية تتدخل مجددًا حتى العصر الحديث.

• العصر الحديث

في العصر الحديث، دخلت اليمن مرحلة جديدة من التدخلات كالمماليك ثم الأتراك العثمانيين ثم المصريين (محمد علي باشا) والبريطانيين في الجنوب، حتى قيام ثورتي 26سبتمبر و 14 أكتوبر. كان التدخل الخارجي (المصري – السعودي) ثم التدخل الأمريكي السوفيتي، وقيام الوحدة ،وحرب الانفصال، ورغم تحقيق الوحدة 1990، إلا أن الصراعات الداخلية والمشكلات السياسية استمرت نتيجة غياب التخطيط السليم، لتظهر مجددًا هذه المشكلات في 2011 و 2014 ،وما زالت حتى اليوم.

الخلاصة

إن حياة الدولة اليمنية تدور في فلك هذه المشكلات الأربع التاريخية التي ما زلنا نعاني منها ، كل مشكلة تولد الأخرى ، حيث يتطلب الوضع جهوداً فكرية عميقة وتحليلات مستفيضة لمعالجة هذه القضايا ، ووضع حلول عملية تساهم في بناء يمن جديد ومستقر .

 

مقالات ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى