أسباب عزوف الشباب اليمني عن الانضمام إلى الأحزاب السياسية
حدث نيوز : مجاهد القريضي
في خضم الأحداث السياسية المتلاحقة التي شهدها اليمن، برزت ظاهرة عزوف الشباب اليمني عن الانضمام إلى الأحزاب السياسية كواحدة من أبرز التحديات التي تواجه الديمقراطية في البلاد.
هذا العزوف لا ينشأ فقط من قلة الوعي بالقضايا السياسية، بل يرتبط أيضاً بتجارب سابقة مع الأحزاب التي تميزت بالمناكفات والصراعات البينية ، مما أدى إلى تشكيك الشباب في جدوى المشاركة السياسية. هذه المقالة تستعرض الأسباب المتعددة والمترابطة التي دفعت الشباب اليمني إلى الابتعاد عن العمل الحزبي، مع محاولة فهم السياق الاجتماعي والسياسي الذي يحيط بهذه الظاهرة.
في الآونة الأخيرة، لوحظ أن العديد من الشباب يعزفون عن الانضمام إلى الأحزاب السياسية، مما يثير التساؤلات حول الأسباب التي دفعتهم لهذا العزوف، وقد تبين أن العامل الرئيسي وراء ذلك هو انعدام الوعي بالديمقراطية وبأهمية التعددية السياسية، أهمية المشاركة السياسية في الأحزاب، إضافة إلى ذلك، افتقار الكثير من الشباب إلى عدم الوعي بحقوقهم السياسية.
من ناحية أخرى، فإن الصورة التي رسمتها الأحزاب لأنفسها من خلال ممارساتها السياسية القائمة على المناكفات والصراعات ساهمت في تعزيز هذا العزوف، إذ يرى الشباب أن هذه الممارسات هي أحد الأسباب الرئيسية للأزمة اليمنية، مقارنين الوضع بالدول ذات الأنظمة غير الديمقراطية التي يعتقدون أنها حافظت على استقرارها بفضل غياب الأحزاب السياسية، مثل المملكة العربية السعودية التي تعد المثال الأقرب، وهذا يكشف عن ترسخ ثقافة للعمل الحزبي بسبب التصرفات السلبية لبعض الأعضاء المتعصبين داخل الأحزاب.
أما بالنسبة للشباب الذين يمتلكون وعياً سياسياً ويدركون أهمية المشاركة السياسية وفكرة الديمقراطية، فإنهم مع ذلك يفضلون البقاء مستقلين دون الانضمام لأي حزب، يبدو أن السبب وراء ذلك يعود إلى إدراكهم أن هذه الأحزاب لا تلعب دوراً فعالاً في دفع العملية السياسية نحو حل الأزمة وتحقيق السلام، بل تفتقر إلى القوة اللازمة لتحقيق لذلك، خاصة مع ظهور قوى جديدة على الساحة السياسية وبعضها ذات توجهات غير ديمقراطية.
إضافة إلى ذلك، تراجعت وظائف الأحزاب السياسية لتصبح مُختزلة في تقاسم السلطة والمناصب والمحاصصة الوظيفية، مما يجعل كل حزب يعمل على إقصاء المنتمين للأحزاب الأخرى في ظل محسوبية ظالمة، وهذا يدفع الشباب إلى الخوف من أن يصبحوا أدوات في المناكفات الحزبية ، ويتم استقصائهم بسب انتمائهم الحزبي .
كذلك، تعاني بعض الأحزاب من قمع حرية التفكير داخلها، حيث لا يُسمح بإبداء آراء تخالف توجهات الحزب أو توجيه النقد الذاتي، وبدلاً من العمل على توعية أعضائها وتثقيفهم سياسياً بما يخدم العملية الديمقراطية، تسعى الأحزاب فقط لزيادة أعداد أعضائها وأصواتها الانتخابية، مع ترسيخ فكرة أن مصلحة الحزب تفوق مصلحة المجتمع والدولة، وهكذا، أصبح الهدف هو السيطرة على الشباب بدلاً من تمكينهم.
كما أن بعض الأحزاب تتسم بتنظيم مبهم وغير واضح، حيث تظهر كأحزاب سياسية في ظاهرها، لكنها في باطنها تحمل طابعاً تنظيمياً غامضاً أو أشبه بالسري، إلى جانب ذلك، لا تُعرض اللوائح الداخلية المنظمة لعملها على من يرغبون بالانضمام إليها، مما يجعل الشباب غير مدركين لحقوقهم وواجباتهم أو لصلاحيات الأعضاء والقيادات داخل الحزب، وبدلاً من تمكينهم، يتم تدجينهم، وهو ما يرفضه الشباب الواعي.
ويرى من يمتلكون القليل من الوعي السياسي أن الأحزاب اليمنية حولت المنافسة السياسية إلى صراعات ومكايدات، عكس الهدف الأساسي من وجود الأحزاب، وهو تحويل الصراع على السلطة إلى تنافس سلمي، وهذا يعد أحد الأسباب التي تجعل الشباب يعزفون عنها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الأحزاب ترتكز على شخصية واحدة، بحيث يبدو أن “الشخص المؤسس هو الحزب والحزب هو الشخص المؤسس”، مما يكشف خللا في بنية الحزب ،مما يؤدي إلى غياب الممارسة الديمقراطية داخل هذه الأحزاب، فضلاً عن جمود رؤاها وأهدافها عند عقد التسعينيات من القرن العشرين، وعدم مواكبة قياداتها لمتطلبات المرحلة، وهذا يجعل الشباب غير مؤمنين بقدرة الأحزاب السياسية على ترجمة رؤاهم العصرية إلى واقع ملموس.
علاوة على ما سبق، فإن الخوف من جماعة الحوثي في ظل الحرب القائمة يعد عاملاً مهماً في عزوف الشباب عن الانضمام إلى الأحزاب السياسية، بل وحتى عن الاهتمام بالشأن السياسي بسبب المخاطر المرتبطة به.
و أخيرا يلعب التدهور الاقتصادي دوراً رئيسياً في عزوف الشباب عن الأحزاب السياسية، حيث انشغلوا بتأمين لقمة العيش وتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة، مما جعل الانخراط في الشأن السياسي أمراً ثانوياً بالنسبة لهم.
في الختام، إن عزوف الشباب اليمني عن الأحزاب السياسية يعود إلى مجموعة من العوامل المعقدة والمتشابكة، بدءًا من غياب الوعي بحقوقهم السياسية ومرورًا بممارسات الأحزاب نفسها التي ساهمت في تعزيز ثقافة عدم الثقة، وصولًا إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها البلاد. من الضروري أن تعيد الأحزاب السياسية تقييم أسلوبها في التعامل مع الشباب، وإعادة بناء الثقة من خلال تقديم رؤى وأهداف تتوافق مع تطلعاتهم. إن إشراكهم الفعّال في العملية السياسية وتعزيز الديمقراطية هو مفتاح للتغيير، مما يجعل من الضروري الاستماع إلى صوتهم ونشر الوعي السياسي بينهم، ليكونوا جزءًا فاعلًا في بناء مستقبل أفضل لليمن.