“وصلت بفضل الله وتوفيقه ودعاء الوالدين، وبالرغبة الحقيقية لهذا المجال، وتكرار المحاولات دون يأس والمتابعة المستمرة.” بهذه الكلمات تعبّر هديل علي ناصر، الفتاة البالغة من العمر 23 عامًا من محافظة تعز حديثها “حدث نيوز”
وعن رحلتها التي بدأت منذ نعومة أظافرها واكتملت بتحديات كبيرة، لتصبح اليوم واحدة من الشخصيات الشابة التي لامست طريق النجاح في مجال الفن التشكيلي.
هديل ولدت في تعز، المدينة التي تحملت عبء الصراع المسلح لسنوات طويلة، خلال تلك الفترة، واجهت عائلتها ظروفًا صعبة أثرت على حياتهم اليومية، ولكن على الرغم من هذه التحديات، كانت هديل مصممة على متابعة شغفها بالفن.
تصف هديل كيف كانت تنتقل من القرية إلى المدينة رغم صعوبة الظروف الأمنية، وتحرص على المشاركة في دروس الرسم وتطوير موهبتها باستمرار.
تقول هديل عن تلك الأيام “لم يكن الأمر سهلًا، لكن إيماني بموهبتي والدعم الكبير الذي تلقيته من والدي ووالدتي وإخوتي كانا أكبر دافع للاستمرار، خاصة مع تكرار المحاولات والتعلم من الأخطاء. كل يوم كنت أشعر أنني أقترب أكثر من تحقيق هدفي.”
بداية مشوارها الفني
لم يكن اكتشاف موهبة هديل في الرسم في ظروف عادية، بل جاءت خلال رحلة علاجية عندما سافرت إلى الأردن لإجراء عملية جراحية بسبب إصابة في الركبتين.
خلال فترة إقامتها الطويلة في السرير بعد العملية، بدأت هديل تبحث عن وسيلة لقضاء الوقت والتخفيف من ألمها. طلبت من والدها أن يحضر لها أدوات الرسم، ومن هنا بدأت الحكاية.
رسمت صورة لجدها الذي كان الداعم الأكبر لها في رحلتها العلاجية، وعندما أبدى إعجابه بما رسمته، شعرت هديل بأن لديها موهبة حقيقية.
تحدث هديل قائلة: “بعدما أتممت رسم صورة جدي، أدركت أنني أجيد الرسم بالفعل، كان التشجيع كبيرًا من العائلة، وبالذات من والدي وجدّي، وهذا حفزني على الاستمرار والتطوير.”
بعد عودتها إلى اليمن، لم تتوقف هديل عند هذا الحد، بل التحقت بمعاهد فنية وتعلمت فيها أسس الرسم وقواعده الفنية. بدأت أعمالها تتطور مع كل خطوة تخطوها، حتى أصبحت معروفة بين معلميها وزميلاتها بقدرتها على تحويل الخيال إلى رسومات حية.
تحديات ومعاناة
ورغم الموهبة التي بدأت تتفتح، واجهت هديل تحديات كبيرة في مسيرتها التعليمية. درست المرحلة الثانوية في بيئة لا تتوفر فيها لغة الإشارة التي تحتاجها كفتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة.
كان التعامل اليومي مع المدرسين والزميلات صعبًا بسبب عدم قدرتهم على التواصل معها بلغتها.
هذه المعاناة لم توقف هديل عن المضي قدمًا، بفضل دعم أسرتها، وخاصة شقيقتها الكبرى هيفاء التي كانت ترافقها دائمًا وتساعدها في التواصل، تمكنت هديل من إكمال تعليمها بنجاح.
تقول هديل عن هذه الفترة “لحدث نيوز” “كانت المرحلة الثانوية أصعب مرحلة في حياتي، لم يكن لديّ من يفهمني أو يساعدني في الصف، لكن بفضل دعم أختي ووالدي وأمي، تمكنت من تجاوز هذه الصعوبات.”
صعوبات
إلى جانب التحديات التعليمية، كان على هديل مواجهة آثار الحرب المستمرة في اليمن.
انتقلت عائلتها من المدينة إلى القرية بحثًا عن الأمان، واضطرت هديل للتنقل يوميًا لمواصلة دراستها.
تعبر قائلة “كانت الأوضاع الأمنية صعبة للغاية، وكان علينا التنقل من القرية إلى المدينة للدراسة. الحرب جعلت الأمور أكثر تعقيدًا، لكنني كنت مصممة على إكمال تعليمي وتطوير موهبتي.”
لم تكن الحرب والتحديات اللغوية العائق الوحيد أمام هديل. كما واجهت نقصًا حادًا في الموارد والإمكانات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة في مدرستها. مع ذلك، كانت تتابع بشغف كل ما تستطيع تعلمه من أسس الرسم والفن.
و تضيف : “أصعب ما واجهته كان الشعور بالوحدة، لكن الدعم الذي تلقيته من أهلي كان له الأثر الأكبر في الاستمرار. كان والدي دائمًا يقول لي: ‘لا شيء مستحيل مع الإصرار’، وهذا ما دفعني للاستمرار رغم كل الظروف.”
اليوم، هديل لا تزال تحمل الريشة بكل شغف وتواصل تطوير موهبتها. تسعى إلى إقامة معارض فنية محلية، وتتطلع إلى المستقبل بأمل كبير، حيث تحلم أن تصبح إحدى أبرز الفنانات في اليمن.
بفضل الإرادة القوية والإصرار الذي تمتعت به، باتت هديل مثالًا يحتذى به للشباب الذين يسعون لتحقيق أحلامهم مهما كانت الصعوبات.
تختم هديل حديثها بالقول: “موهبتي هي نعمة من الله، وسأظل أعمل بجد لتحقيق أحلامي في عالم الفن ،ربما تكون الطريق مليئة بالعقبات، لكن الإيمان والتحدي هما مفتاح النجاح.”