مقالات

ترند وزاري.. الرسوب القسري كإنجاز وطني

حدث نيوز: ياسين الزكري

يحدث في الذكرى  الـ62  لثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م ان يتم ترسيب الطالب جبرا لستر عورة الوزارة.

اذا اردت ان تدمر بلدا فابدأ من تشكيل حكومة محاصصة، خلاصة توصلت اليها دراسات تحليلية عدة لتجارب دول دفعت اثمانا باهضة بفعل المحاصصة.

اما حين تعرف المحاصصة السياسية على انها مشاركة في الحكم فذلك ببساطة هو التضليل الكبير.

الحديث عن المشاركة في الحكم تعني ان يتم تمثيل كافة المكونات ذات الفعالية والنضج السياسي او بتعبير بسيط تلك المكونات حين تكون قادرة على أداء المسئولية وتغليب المصلحة العامة على ما دونها والانتقال من حلول “الفهلوة” الى الحلول الفعلية.

في اليمن تعد المكونات السياسية مكونات عاطلة منذ مطلع العام 2015 اذ ان الأحزاب السياسية لا تعمل في ظروف الحرب وانما يحين دورها عندما تتم تسوية الملعب السياسي حيث تكون الأجواء طبيعية تسمح بتنظيم انتخابات ديمقراطية نزيهة.

هذا يعني انه من المبكر جدا الحديث عن مشاركة في الحكم وان ما نعيشه ليس اكثر من محاصصة.

ولعل اقرب فارق بين الشراكة في الحكم والمحاصصة ان المكونات تقدم في الأولى افضل ما لديها من كفاءات لا نها تعلم ان عليها ان تعمل، اما في الأخرى فتقدم اردأ ما لديها لان الهدف العام هو التعطيل وإنتاج اكبر قدر من سفيهات  تحت عنوان “رجال دولة” ولا يحتاج المرء لجهد كبير لاكتشاف ذلك بمجرد توجهه الى أي مكتب خدماتي قريب.

في اليمن وبحسب واقع الحال تفهم المحاصصة على انها مجموعة من المكونات لا تجمعها اية استراتيجية عمل واضحة تتقاسم خبز المواطن ودوائه وخدماته ومنحه ودرجاته المدرسية (والله يستر على ارقام الجلوس وأرقام البطائق الشخصية في قادم الأيام مادام الامر وصل الى كل ما هو رقم).

لن اتحدث عما تعلنه الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي ومركز الملك سلمان والدول والمنظمات الدولية المختلفة من مساعدات بمليارات الدولارات موجهة الى اليمن لا يراها المواطن بوضوح في الشارع.

كما لن اخوض مطولا هنا في تلك المقارنة بين المشاركة في الحكم والمحاصصة في التقاسم، بقدر ما تذهب هذه الإضاءة صوب ” ترند” نتائج اختبارات الثانوية العامة في مناطق الحكومة المعترف بها دوليا للعام الدراسي الحالي 2023-2024.

في عصر الترند كما يبدو لا يهم ما يكون عليه المحتوى بقدر ماتهم الصدمة، عليك ان تحدث صدمة ما، لا يهم ان تكون قانونية او غير ذلك، أخلاقية او غير ذلك، مسئولة او غير ذلك، هذا ما تقوله كثير من ترندات التواصل الاجتماعي.

الترند الاختباري كان ثمنه الدفع بـنحو 15 الف من طلاب وطالبات الثانوية العامة في محافظة تعز وحدها الى رصيف المجهول وبالطبع رفقة اخرين في المحافظات الاخرى.

المبررات كما يفهم من افادة بعض المسئولين ان نسبة النجاح كافية، فهل نفهم ان الوزارة غير معنية بضبط عملية الاختبارات وان عملها يتلخص في ترسيب الناجحين الفائضين عن الحاجة بس” عشان تضبط النسبة عند رقم معين و تظل الوزارة تشتغل” والكلام لاحد المسئولين. بمعنى اخر ( ياجماعة ياناجحين معليش احنا مضطرين نرسبكم عشان نستر فشلنا في إدارة الاختبارات).

وبحسب ما نقل عن خطاب رفعه محافظ تعز الى رئيس مجلس الوزراء فإن رسوب الطلاب والطالبات جاء “بسبب القرار المفاجئ من نائب وزير التربية والتعليم رئيس اللجنة العليا للاختبارات بأن لا تضاف للطالب الدرجات التراكمية للمادة الدراسية إذا لم يحصل على 25 درجة أو أكثر في الاختبار النهائي، والذي يعد مخالفاً للقرار الساري من وزير التربية والتعليم والمعمول به منذ أربعة أعوام”.

القرار المشار اليه يقول الطلاب ومدراء المدارس ومكاتب التربية في المحافظة والمديريات انهم لم يبلّغوا به ولم يعلموا بشأنه الا بعد اعلان نتائج الاختبارات أي انه بالنسبة للطلاب بحكم قرار ينفذ باثر رجعي إضافة الى كونه مخالف لقرار الوزير المخول بإصدار القرارات حسب ما نشر عن مذكرة الرفع من قبل المحافظ الى رئيس الوزراء.

أتذكر حين كنت طالبا في الثانوية ان مدير المدرسة كان يتلو بنفسه تعميمات وقرارات الوزارة ويشرحها من خلال الإذاعة المدرسية في الطابور المدرسي في اول أيام السنة الدراسية وليس بعد انتهاء الاختبارات واغلاق المدارس ذلك ان المعني المباشر بتلك التعليمات والقرارات هو الطلاب وليس المقاعد المدرسية الخالية، لكن الزمن كما يبدو تغير كثيرا عن زمننا “القديم”.

في تصريح لموقع عدن الغد نشر في يوليو من العام الجاري 2024 تحدث نائب وزير التربية والتعليم رئيس اللجنة العليا للاختبارات عن حال التعليم في اليمن بالقول ان ” العملية التعليمية دمرت وتعاني كثيرًا من مخرجات هزيلة جدًا في الوقت الراهن نتيجة لهذه الحرب التي أحدثتها المليشيا في كل ربوع اليمن” .

مشيرا الى ان التعليم ” يمر بمنعطفات كبيرة وعقبات كثيرة، خلال السنوات الأخيرة، نتيجة الحرب الدائرة في اليمن منذ ما يزيد عن تسع سنوات، أفرزت الكثير من المشكلات والعديد من المعضلات في مختلف نواحي الحياة، مما زادت من حدّة المعاناة التي يعشيها اليمنيون وأثكلت عن كوالهم” بحسب ذات المصدر.

ما يفهم من حديث النائب ان العملية التعليمية تحتاج الى جهد كبير لإصلاحها أي التعليم ذاته لكن ما حدث شيء اخر.

ما حدث مؤخرا انه تم الدفع بنحو 15 الف من طلاب الثانوية الذين هم في سن يصعب التنبؤ فيها بردود افعالهم الى المجهول اذا ما استثنينا اشباههم في المحافظات الأخرى، في ظل أوضاع غير طبيعية ودوائر استقطاب متعددة وصعوبات معيشية يتشاركها المواطنون بطول وعرض اليمن وفي ظل فتح طرق العبور القريبة بين الساحتين المتصارعتين.

ما حدث ببساطة يعني ان تعمل اسر 55% من الطلاب على الانفاق عليهم مرة أخرى في ذات الفصول التي لن تتسع طاولاتها لهم رفقة الصاعدين من الفصول السابقة خلال العام الجديد، في حين  ان الوزارة عاجزة عن توفير كتاب ومقعد وطاولة مدرسية، وفي حين ان مدرسة من كل أربعة مدارس في اليمن خرجت عن الخدمة بسبب الحرب وفق تقارير منظمة اليونسيف التي تضيف ان ” يصل عدد الأطفال الذين يعانون من الاضطرابات التي تلحق تعليمهم إلى 6 ملايين طالب وطالبة”.

لا أقول هنا انه ينبغي ترفيع الراسبين لان الظروف صعبة، بل اتحدث عن ناجحين تم حرمانهم من درجاتهم كحمية للنتيجة النهائية للاختبارات التي كادت كما يبدو ان تعاني من انتفاخ لولا التدخل بشكل غير مناسب بالإجراء غير المناسب في الوقت غير المناسب كما يفهم لاحقا من تصريحات مسئولين رسميين معنيين.

رسوب 55% من الطلاب امر تهتز بسببه اية حكومة في أي بلد يتمتع بأدنى الحد الأدنى من المسئولية، وتتوالى بفعله الاستقالات وتعقد لجان المحاسبة والتحقيق بشأنه من ادنى الهرم الى أعلاه.

في اليمن يفتش الطلاب الناجحون الذين حرموا من درجاتهم المستحقة بقرار “سري للغاية وغير معلن” عن رائحة مسئولية تشعرهم بان ثمة حكومة تعترف بهم كمواطنين لهم حقوق مثلما ان عليهم واجبات لكن تلك الرائحة لم تصل انوفهم كما يقولون.

لا شيء من ذلك على الأرض،  مجرد خبر يتكرر مرات عديدة على واجهات المواقع ” رفع المحافظ، وتوجيه رئيس الحكومة، وتلقي الوزير، واحالته، وانتهاء كل ذلك في لجنة الاختبارات” التي ترى مالا تراه الحكومة والوزارة، انتهت رحلة التوجيهات وصخبها هناك وكأن شيئا لم يكن او كأن الغرض منها نشر خبر على واجهات المواقع وهو اعلى ما حدث بهذا الشأن.

خلال عامهم الدراسي لم يبلغ الطلاب وهم المعنيون الأساس بالقرار الذي حرمهم درجاتهم ولم تتم مساءلة احد، لم يحصل الطلاب على درجاتهم المستحقة وفق قرار الوزارة ساري المفعول ولم تتم مساءلة احد.

في المحاصصة يعمل كل شاغل موقع كما لو كان في اقطاعيته الخاصة، ( هو حر يفعل ما اشتى في حصته).

في سنوات سابقة تعرض الطلاب الأوائل للاستحواذ على منحهم الدراسية المستحقة من قبل مسئولي المحاصصة (احباط المتميزين). حاليا وصل الامر حد حرمان الطلاب من درجاتهم المستحقة، ما لذي تبقى للطالب كي يثق بان له وطن او انه يمكن ان يصل يوما الى حقوقه القانونية المشروعة لكي يكون مواطنا صالحا كما يقول الكتاب الذي تعلموه 12 عاما على التوالي لينتهي الامر بكذبة كبيرة.

في تعليقه على الحدث افاد رئيس لجنة الاختبارات بان ما حدث هو لصالح رفع جودة العملية التعليمية.

في ذاكرتنا الكلاسيكية القديمة نعلم ان جودة التعليم تتمثل في توفير الكتاب المدرسي وتحديث وتطوير المناهج واعداد وتأهيل المعلم وتحديث معلوماته وتطوير مهاراته وتوفير الفصل والمقعد المدرسي وتفعيل المعامل وتوفير الوسيلة التعليمية، ولم يقل احد بين 8 مليار انسان عبر العالم ان نظريات التعليم والتعلم تضمنت مثل تلك “الفكرة الإبداعية الخطيرة” المتمثلة بحرمان الطلاب الناجحين من درجاتهم كشرط للارتقاء بالعملية التعليمية ( ربما اننا جميعا نحمل معارف وثقافات قديمة عف عليها الزمن.. ربما).

يمكنك حين توفر افضل طرق وأدوات التعليم واعلى مرتب للمعلم ان تعتمد نسبة 70% للنجاح بدل 50% وسيشيد بك الجميع.

في حديثه أيضا قال رئيس اللجنة انه سيفتح باب التظلم لمدة أسبوع ولم يحدد في أي يوم يفتح باب التظلمات.. (من يهتم بمطالب المواطن اصلا).

في العادة يفتح باب التظلمات لمكافأة من أخطأ في رصد درجات الطلاب اذ تقوم عملية التظلم على أساس “المراهنة” التي عمدت الوزارة ومقرراتها المدرسية على تعليم الطلاب مدة 12 عاما انها محرمة ” ميسر”. لكن لابأس في ذلك كما يبدو حين يتعلق الامر بمكافأة المخطئين والمقصرين في أعمالهم، ومادامت هناك مكافآت فلماذا لا يخطئ العاملون في أي مجال كان وفقا لمبدأ “شراء الحقوق” ان جازت التسمية.

. تقوم المراجعة في العادة على إعادة جمع الدرجات فقط ولا يعاد خلالها تصحيح إجابات الطلاب الذي هو المطلب الأساس.

وفي رده على أسئلة بشأن تظلمات الطلاب قال رئيس لجنة الاختبارات انه خشية “اللغط” في درجات الطلاب التراكمية كونها تتم في المدارس جاء قرار الـ 25 درجة لضبط العملية التعليمية.

من ناحية نعلم جميعا ان الطالب بعد التخرج من الثانوية لن يكون في دائرة اختصاص وزارة التربية والتعليم ونعلم ان الجامعات تقبل وفق معدلات محددة تسبقها اختبارات معدة بقدر عال من الاحترافية لفلترة استحقاق الطالب بالمقعد الجامعي.

ومن ناحية أخرى تعلم الوزارة  ان درجات التراكمي تحتسب – وفقا لقراراتها هي – بعد اجتياز الطلاب مرحلتي أولى وثانية ثانوي أي انها نسبة مئوية تحتسب من نتيجة تم اعتمادها من قبل الوزارة و مكاتبها التابعة.

التشكيك بتلك الدرجات يعد تشكيكا بنزاهة كامل الهرم التعليمي وهو امر خطير يقتضي إعادة النظر في الية عمل الوزارة من اعلاها الى ادناها للتحقق من سلامة العملية، ان كان هذا ما يعنيه رئيس لجنة الاختبارات خلال دفاعه عن قرار إزالة المعدل التراكمي وفق قراره الذي وصف بانه مخالف للقرار ساري المفعول الصادر عن الوزير المخول والمعني بإصدار القرارات وهو مالم تعلق عليه الوزارة حتى كتابة هذه المادة.

في نظام المحاصصة لا غرابة في ان يتعلم بعض قليل من الناس، العمل في موقع ما على حساب الشعب وحقوقه، مادام يتعلم في حصته او حصة جماعته او مكونه (هو حر يفعل ما اشتى في حصته).

ما يحدث هو ان خطأ جسيما حصل في حق مستقبل البلد، وان نتائج الثانوية في عموم المحافظات الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليا يجب ان تتم مراجعتها وإعادة الحقوق لأصحابها، وان أحدا ما او اكثر او جهة ما او اكثر يجب ان تخضع للمساءلة والمحاسبة، غير ان الطلاب الذين منعت عنهم حقوقهم القانونية هم من يخضعون للحساب.

ثمة فشل كبير حدث في مكان ما، ومن حق الطلاب ان يسمع صوتهم وان تتم محاسبة من تسببوا في ذلك الفشل وحرمانهم من حقوقهم القانونية سارية المفعول، لكن غير المفهوم في هذا الحدث موقف الصحافة والصحفيين حيث تم الاكتفاء بنقل عبارات الشكر المتبادلة وإدارة الظهر لمظالم المواطنين الذين يفترض انها- الصحافة- صوتهم وسلطتهم الرقابية على عمل السلطات الثلاث.

واذا لم تنقل الصحافة أصوات الناس وتحقق بعمق في تفاصيل ما حدث فما هو دور الصحافة اذا.. سؤال متروك على بلاط صاحبة الجلالة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى